جدة: حليمة مظفر
الحجر... أو كما يسمى عادة بحِجر إسماعيل «بكسر الحاء» مكان ليس بغريب على المسلمين من مختلف المذاهب والطوائف ممن زاروا بيت الله الحرام وطافوا حول الكعبة المشرفة بقلوب خاشعة، وفي كثير من الأحيان يقف بعضهم بجوار الحِجر أو داخله رافعين أيديهم تضرعا للخالق أو يؤدون صلاة غير فريضة لله تعالى، دون أن يعرف أكثرهم أنهم يقفون على ما يذكر في كتب التاريخ بأنه قبر إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر وبناته العذارى وما يزيد عن السبعين نبيا.
وكما يقول مؤلف كتاب «صور من تراث مكة المكرمة في القرن 14هـ» عبد الله محمد أبكر عن الحِجر أنه «يشاع دفن هاجر وابنها إسماعيل وخمسة وسبعين نبيا، وهذا ما تتداوله كتب التاريخ وبعض العلماء أمثال ابن إسحاق وابن هشام وابن جرير الطبري وابن كثير حول مكة وبيت الله، إلا أن ذلك غير مثبت بشكل دقيق».
وعن تحديد مكان حجر إسماعيل من الكعبة يقول أبكر «يقع بين الركن الشامي والركن العراقي، ويقال عنهما الركنان الشاميان للكعبة، وهو نصف دائرة من جدار قصير بينه وبين الركنين ممر يوصل إلى حجر إسماعيل« وكما أشار أبكر أن الحِجر يعد جزءا من أرض الكعبة لما روي عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت «كنتُ أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه، فأخذ رسول الله بيدي فأدخلني الحِجر، وقال لي: صلي ها هنا إن أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة منه». وما روته عائشة يصدق على فعل الرسول عليه السلام أثناء طوافه بالبيت العتيق، إذ كان يطوف حول البيت من وراء جدار الحجر وليس من داخله، وهكذا يطوف الناس حوله، وكأن حجر إسماعيل جزء لا يتجزأ من الكعبة، أما من يطوف بالبيت دون المرور بذلك؛ فإن طوافه لا يصح كما ذهب إلى ذلك علماء الدين.
وتعود قصة الحِجر إلى ما قبل 4000 سنة حينما أخذ إبراهيم عليه السلام زوجه هاجر وابنها الرضيع إسماعيل الذي رزق به وهو في 86 من عمره، لواد مقفر موحش ليتركهما في رحمة الله إلى ما شاء، وكان لطف الله حينما أخذت هاجر في المشي بقدمين متعبتين وبجسد مجهد جائع، وبأنفاس تتقطع مع هرولتها بحثا عن قافلة تعبر بهما أو ماء.وبحسب ما جاء في كتاب «قصص الأنبياء» لابن كثير ينبع الماء بين قدمي الصغير لتركض هاجر وتغرف بيديها من بين الرمل وتروي ظمأها وصغيرها، ويرزقهم الله من خيره إذ أوت الطير حيث الماء، ومن ذلك استدلت قافلة عبرت أسفل مكة من قبيلة جرهم المكان، فآووا إليه يستأذنونها النزول عندها، فوافقت بشرط أن لا شأن لهم بالماء، ووافقوا، وسكنوا بمكة، وطابت الحياة لها ولابنها وسطهم، فشبّ بينهم، وتعلم اللغة العربية منهم، وكان أول من ينطقها بشكل بيّن.وإسماعيل كان أول من استأنس الخيل وركبها فكان فارسا، وخلال عشرين سنة من عمره رعته فيها عين والدته هاجر، ليشاء الله بعدها أن تطوى صفحات حياة الأم الكريمة الصابرة على بعد زوجها، فماتت، وحينها قام إسماعيل بدفنها في مكان قريب من الكعبة قبل بنائها، وهو ما يسمى الآن بالحِجر بحسب ما ذكر في كتاب «التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم للمؤرخ محمد طاهر كردي «أن أمه هاجر توفيت قبل بناء الكعبة فدفنت عند محلها».
وقد أشار الكردي إلى أن مكة حينها كانت ديارا مقفرة وقليلة السكن والناس، ولم يكن بها مقبرة معلومة لأهلها كما هو حالها الآن، فتخير إسماعيل مكانا قريبا منه يدفن أمه الغالية عليه به، وكان هذا المكان بقرب قواعد البيت الذي وضعته الملائكة بأمر الله تعالى قبل بنائه دون علم منه بذلك، وإن كان إلهاما من الله له.
وذهب المطوف أحمد شيخ جمل الليل رئيس مجلس إدارة المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج دول جنوب آسيا سابقا إلى ما ذكره الكردي وقال «مكة كانت حينها ديارا مقفرة وقليلة السكن والناس، ولم يكن بها مقبرة معلومة لأهلها كما هو حالها الآن، وكان الناس يقبرون بجوار منازلهم وبعضهم في بيوتهم وقد دفن الرسول عليه السلام في حجرة السيدة عائشة أيضا وهذا ما يجعل هذه الرواية قد تكون قريبة من الصواب» ولهذا تخير إسماعيل مكانا قريبا منه يدفن أمه الغالية عليه به، وكان هذا المكان بقرب قواعد البيت الذي وضعته الملائكة بأمر الله تعالى قبل بنائه دون علم منه بذلك، وإن كان إلهاما من الله له.
ثم جاء أمر الله لإبراهيم في بناء البيت العتيق، ولم يعرف حينها الخليل أين مكانه حتى أرسل له الله ملكا يشير له بمكانه، وأحضر له بقواعده من الجنة، وبدأ الأب وابنه يساعده في البناء، وفيما ذكره ابن كثير أن ذا القرنين الذي كان حينها ملك الأرض، مرّ بهما وهما يعملان في البناء، فسألهما: من أمركما بهذا؟ فأجابه إبراهيم: الله أمرنا به، فقال وما يدريني بما تقول؟! فشهدت خمسة أكبش أنه أمره بذلك، فأمن وصدق، وطاف مع الخليل بالبيت. وكان البيت قريبا من قبر هاجر، وبعد بنائه تخير إبراهيم لابنه مكانا قريبا من الكعبة خاصة وقد عهد إليه بخدمة البيت ورعاية شؤونه وهذا المكان هو ما سماه بـ «حِجر إسماعيل» بناه له أبوه من شجر الأراك، وكما ذكر الكردي في كتابه «جعل إبراهيم الحجر إلى جنب البيت عريشا من أراك تقتحمه العنز، فكان زربا لغنم إسماعيل».
والزرب كما قُصد به هي الحظيرة الخاصة بالغنم، وأشار الكردي أن اختيار أبيه لهذا المكان ليس بأمر من نفسه، إنما هو أمر إلهي، كرم الله به إسماعيل خاصة أنهما أول من جاءوا هذا الوادي، وكان ماء زمزم معجزة تفجرت من بين قدميه، فلماذا لا يسكن غنمه بقرب الكعبة إذن؟!، وكما جاء عن الكردي «أن الكعبة كانت مبنية بالرضم على أكمة صغيرة حولها الحصباء والمدر، فسكنى إسماعيل ومكان عبادته وموضع غنمه عند الكعبة المشرفة أمر طبيعي».
وبعد وفاة أمه وقبل بناء الكعبة كان قد تزوج بابنة من أهل جرهم لم تلد له اسمها زعلة، وكانت قد أساءت ضيافة أبيه في غيابه دون أن تدري، فأوصاها والده بأن تخبر زوجها «بتغيير عتبة بيته» وهو ما نقلته لزوجها إسماعيل حيث أدرك رغبة أبيه، فأخبرها بأنه أبوه وقد أوصاه بمفارقتها، فطلقها.
وتزوج بامرأة أخرى من جرهم وقد ولدت له 12 ولدا هم: فائت، وقيدار، إربل، وميم، ومسمع، ودوما، ودام، وميشا، وحداد، وحيم، وقطورا، وماش، كما ولدت له عددا من البنات، وكان أيضا قد زاره والده إبراهيم ليطمئن عليه، وهو غائب عن بيته، فالتقى بزوجته هذه التي ضيفته وأحسنت له، فأوصاها بإخبار زوجها «أن يثبت عتبة بيته» فأخبرت زوجها بذلك، وعرفها إسماعيل أنه أبوه يوصيه بأن يبقي عليها.
وقد عاش إسماعيل 137 سنة، خلالها بعث إلى اليمن والعماليق، وكان والده قد مات ودفن بالشام، وحينما مات إسماعيل دفنه أولاده في الحِجر بجوار الكعبة، وبجوار أمه هاجر التي دفنت قبله في ذات المكان، وليس ذلك فحسب، بل ذكر الكردي أن بنات إسماعيل العذارى ممن لم يتزوجن قد دفنوا أيضا في الحجر بجوار والدهم، كونهن مقيمات معه، أما المتزوجات من بناته فكنّ يلحقن بأزواجهن، ويقمن معهم فلم يدفن مع والدهم، وكما ذكر «جاء في تاريخ الزهري أنه سمع ابن الزبير على المنبر يقول: إن هذا المحدودب قبور عذارى بنات إسماعيل عليه السلام، يعني مما يلي الركن الشامي من المسجد الحرام». وكما يقول جمل الليل «أن الكثير من روايات العلماء أكدت أن إسماعيل دفن في الحجر كما ذكرت روايات أن ما يقارب 300 نبي دفنوا بجوار الكعبة» أما قياس الحجر في زمنهم هو نصف قياس الحجر في زمننا هذا، أي أنه النصف الأخير المقابل للجدار الدائري وفيه دفن إسماعيل، أما النصف الأول المقابل لجدار الكعبة فهو منها بدون شك، لأن بناءها كان ينتهي في عهد إبراهيم إليه، وفي عهد ابن الزبير، وفي هذا الموضع لم يدفن فيه أحد لأنه كان من الكعبة.
ومما ذكره أكثر العلماء أن إسماعيل وغيره قد دفنوا في الحجر بجوار الكعبة، وقد كان قياس الحجر في زمنهم هو نصف قياس الحجر في زمننا هذا، أي أنه النصف الأخير المقابل للجدار الدائري وفيه دفن إسماعيل، أما النصف الأول المقابل لجدار الكعبة فهو منها بدون شك، لأن بناءها كان ينتهي في عهد إبراهيم إليه، وفي عهد ابن الزبير، وفي هذا الموضع لم يدفن فيه أحد لأنه كان من الكعبة.
وما يؤكد ذلك ما ذكره الكردي «أن ابن الزبير حفر الحِجر فوجد فيه سفطا من حجارة خضر، فسأل قريش عنه، فلم يجد عند أحد منهم فيه علما فأرسل إلى عبد الله بن صفوان، فسأله، فقال: هذا قبر إسماعيل عليه السلام، فلا تحركه، فتركه ابن الزبير» وعلى هذا فإن موضع القبر والسفط في النصف الأخير من الحجر المقابل للجدار الدائري من شمال الكعبة.
وكما ذكر أنه لا مقبرة معلومة في ذلك الزمن القديم في مكة، وأن الأنبياء كانوا يزورون مكة، بعد بناء إبراهيم للبيت وقبله، فإذا هلكت أمة نبي من الأنبياء كان يلحق نبيها بمكة، يتعبد بها حتى يموت، ويدفن فيها حيث قبض، كحال الأنبياء، وكحال الرسول عليه السلام عندما قبض في حجرة عائشة فدفن بها، وممن دفن بمكة كما أخبر الكردي كان منهم نوح وهود وصالح وشعيب وقبورهم تقع بين زمزم وحجر إسماعيل ويذكر «أن ما بين الركن إلى المقام إلى زمزم قبر تسعة وتسعين نبيا جاؤوا حجاجا فقبروا هنالك».
]]